وفي فتح طرق العمل للمستطيعين، وإقامة مستشفيات وملاجئ للمرضى والعاجزين، إنقاذ للأمة من أن تقود الحاجة طائفة من أبنائها إلى نواد أو مستشفيات يفتحها من يقصد إلى إفساد عقائدها الدينية، أو إطفاء غيرتها الوطنية.
وأما الاغتباط بالنظم المدنية، فذلك ما يدعوها إلى أن تحترمها من صميم أفئدتها، فتراعيها في السرة كما تتقيها في العلانية، فيكتفي الناس في أكثر الخصومات بمعرفة الحق من طريق الاستفتاء. وأولو الأمر هم الذين يقررون النظم المدنية، ويقومون على تطبيقها، فأولو الأمر - على اختلاف طبقاتهم، وتفاوت مقاماتهم - طائفة من الأمة تولوا النظر في شؤونها العامة، فيجب أن يتجلى فيهم روح النيابة عنها، ولا يتجلى هذا الروح إلا أن يعملوا على ما يكفل مصالحها، ومقتضى هذا أن تساس بنظم تراها أحكم وضعاً، وأرعى للمصالح. والأمة الإسلامية إنما تشهد للنظم بالحكمة ورعاية المصالح، متى وافقت أصول شريعتها، ولم ينتهك بها شيء من حرمتها.
وأما الرضا عن حال التطبيق، فلأن صحة النظم إنما يظهر أثرها على أيدي من يوكل إليهم أمر تطبيقها. وما مزية القانون العادل إذا وكل العمل به إلى من لم تحسن المدرسة أدبه؟ فتطبيق القوانين على الحوادث، يرجع إلى أدب الحاكم، ومبلغه من العلم والفهم. فمن حق الأمة أن لا يتولى الحكم فيما شجر بينها إلا ذو ثقافة يجيد بها عمل التطبيق، واستقامة يقف أمامها القوي والضعيف على سواء، وهذا ما يدور عليه فضيلة العدل المأمور به في قوله تعالى:{وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ}[النساء: ٥٨]، وقوله تعالى:{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}[المائدة: ٤٥].