للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقربِه من الباطل، فوليته الحرمين، وهما ما هما، وبهما من بهما من المهاجرين والأنصار، والموالي والأخيار، يسومهم الخسف، ويحكم فيهم بغير السنّة بعد الذي كان من سفك دمائهم، وما انتهك من حرمهم! "، ولم يخبر عبد الملك الحجاج بما قال ابن طلحة، ولكنه عزله عن الحرمين، وولاه العراقين، واعتذر لابن طلحة عن توليته العراقيين بأن فيهما من الأمور ما لا يدحضها إلا مثله.

وفصل القول في هذا: أن الغيرة على الحق والمصلحة ما غلبت على نفوس الأمة إلا استقامت سيرتها، وعلت في الأمم سمعتها، وحسنت في كلتا الحياتين عاقبتها، ولا حق أجلى مما يدعو إليه الخلاّق العليم، ولا مصلحة أعظم مما تهدي إليه أصول شرعه الحكيم، فإذا لم نرسم في نفوس نشئنا الغيرة على حقائق الدين، وما أرشد إليه من مصالح، وما سنّه من آداب، ضلوا عن أسمى الحقائق، وأضاعوا أكبر المصالح، وتجردوا من أسنى الآداب، وهل غير هذه العاقبة من خسران مبين؟!.

فمن أهم واجباتنا: أن نربي نشأنا على الشعور بعظمة الله، ثم لا نفتأ نذكر لهم آيات نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - حتى يطمئنوا إلى صحتها، ولا ندع أن نقرر لهم أصول الشريعة على وجه يجعلهم على بصيرة من حكمتها، وهذا ما يربي فيهم الغيرة المهذبة، ويعدّهم لأن يكونوا للحقائق والمصالح أنصاراً.