حضر لدى ابن هبيرة الحسن البصري، فاستفتاه ابن هبيرة في كتب تأتيه من عند يزيد بن عبد الملك، وفيها من الأمر بما لم يأذن به الله، وقال:"إن أنفذتها، وافقت سخط الله، صان لم أنفذها، خشيت على دمي! "، فقال الحسن:"يا ابن هبيرة! خف الله في يزيد، ولا تخف يزيد في الله، يا ابن هبيرة! إن الله مانعك من يزيد، صان يزيد لا يمنعك من الله، يا ابن هبيرة! لا طاعة لمخلوق في معصية الله، فانظر ما كتب إليك فيه يزيد، فاعرضه على كتاب الله تعالى، فما وافق كتاب الله تعالى، فأنفذه، وما خالف كتاب الله، فلا تنفذه، فإن الله أولى بك من يزيد، وكتاب الله أولى بك من كتابه"، فضرب ابن هبيرة على كتف الحسن، وقال:"هذا الشيخ صدقني وربِّ الكعبة! ".
وتتمثل الغيرة على الحق فيمن يفسح له بعض الوجهاء في الإكرام مكانة، ولا يمنعه ذلك من أن ينظر إلى ما أكرمه الله به من عقل، ورَفَعه به من علم، فلا يسكت لذلك الوجيه عما يأتي من منكر، ويذهب في تقويمه كل مذهب ممكن.
وأضرب المثل لهذا بإبراهيم بن محمد بن طلحة، إذ قرّبه الحجاج، وعظَّم منزلته، وقدم به على عبد الملك بن مروان، وقال له: قدمت عليك برجل الحجاز، لم أدع له بها نظيراً في الفضل والأدب والمروءة، وهو إبراهيم ابن محمد بن طلحة، ولكن إبراهيم بن طلحة قال لعبد الملك: عندي نصيحة لا أجد بداً من ذكرها، ولا أقدر على ذلك إلا وأنا خالي، فصرف عبدُ الملك الحجَّاج من المجلس، وقال لابن طلحة: قل نصيحتك، فقال: "تالله يا أمير المؤمنين! لقد عمدتَ إلى الحجاج في تغطرسه وتعجرفه، وبعدِه عن الحق،