للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أو الدين، أو المستضعفين من الناس، فليس بالشجاع ذلك الذي يحمل السلاح، ويلبس ظلام الليل؛ ليسفك دماً معصوماً، أو ينهب مالاً بغير حق، وإنما هو سفه الرأي، وقسوة القلب، يلتقيان، فيلدان بغياً وفساداً في الأرض. وعلماء الأخلاق يسمون مثل هذا الإقدام: جراءة وتهوراً.

وليس بالشجاعة ذلك الذي يفاجئه مكروه من نحو مرض أو خيبة أمل، فيسودّ في عينه وجه الحياة، ويرتكب جريمة الانتحار؛ فإن إِقدام المنتحر على الموت إنما هو أثر ضعف النفس، وفقد العزم الذي يُعِدُّه عظماء الرجال لما يعرض لهم من الشدائد. ومن هنا قال أرسطو في كتاب "الأخلاق": إن الإقدام على الانتحار خليق بأن يسمى: جبناً، دون أن يسمى: شجاعة.

وإذا كان الإقدام على الموت ونحوه قد يسمى: تهوراً، وقد يسمى: جبناً، فالشجاعة إنما هي الإقدام الصادر عن روية وحكمة.

ينظر حكيم الرأي إلى ما قد يلحقه في مواطن الدفاع من نحو مصيبة الموت، ويزنه بما يلحقه عند الإحجام من نحو الذل والهوان، فيبدو له أن الإحجام لا يمنع من الموت.

ومَنْ لم يَمُتْ بالسَّيْفِ ماتَ بغيره ... تنوَّعَتِ الأسبابُ والمَوْتُ واحِدُ

وان العار والهوان يمكن اتقاؤهما بالإقدام والثبات، فيكون الإقدام في نظره أرجح من الإحجام، قال قطري بن الفجاءة:

وما للمرءِ خيرُ في حياةٍ ... إذا ما عُد من سَقَطِ المتاعِ

وقد يعتدي على الرجل طائفة من عشيرته أو قومه، فينظر إلى اللذة التي قد يدركها بالانتقام منها، ويقيسها بالضرر الذي يلحقه من هذا الانتقام، فيبدو له أن لذة الانتقام عرض زائل، وأن في الإقدام على حربهم توسيعاً