لثلمة العداوة، وتقليلاً لعدد أنصاره، داضاعة لخصلة من أعظم خصال الشرف، وهي الحلم، فيؤثر هنا الإحجام على الإقدام.
قومي هُمُ قَتلوا أمَيْمَ أخي ... فإذا رَميْتُ يُصيبني سَهْمي
وليس من شرط الشجاعة أن لا يجد الرجل في نفسه الخوف من الهلاك جملة، بل يكفي في شجاعة الرجل أن لا يعظم في نفسه الخوف حتى يمنعه من الإقدام، أو يرجع به إلى انهزام.
قال هشام بن عبد الملك لمسلمة: يا أبا سعيد! هل دخَلك ذعر قط لحرب أو عدوّ؟ قال مسلمة: ما سلمت في ذلك من ذعر ينبه على حيلة، ولم يغشني فيها ذكر سلبني رأي، قال هشام: هذه هي البسالة!.
وقد يتوهم متوهِّم أن الجبان يحب نفسه أكثر مما يحب الشجاع نفسه، والواقع أن الشجاع شديد الحب لنفسه، وشدة الحب لنفسه هي التي تحمله على أن يركب الأخطار، ويخوض غمرات الحروب؛ ليكسبها الشرف أو السعادة، قال ابن الحسين:
يحرص الجبان على الحياة؛ ليتمتع بما يصل إليه من مطعوم أو زينة، ويحرص الشجاع على الحياة؛ ليتمتع بما يكسب من شرف وعزة، وهذه الحياة هي التي توهب للشجاع عندما يخوض غمار الحرب بثبات وعزم، كما قال الصدّيق لخالد بن الوليد:"احرص على الموت، توهب لك الحياة".
وهذه الحياة هي التي وجدها الحصين بن الحمام في الإقدام، فقال: