وإذا كان الأستاذ كمدرسة يتخرج في مجالس درسه خلق كثير، فحقيق عليه أن يكون المثال الذي يشهد فيه الطلاب كيف تناقش آراء العلماء مع صيانة اللسان من هجر القول الذي هو أثر الإعجاب بالنفس، والإعجاب بالنفس أثر ضعف لم تتناوله التربية بتهذيب.
كبير الهمة يستبين خطأ في رأي عالم، أو عبارةِ كاتب، فيكتفي بعرض ما استبان من خطأ على طلاب العلم ليفقهوه، ويأبى له أدبه أن ينزل إلى سقط الكلام، أو يخف إلى التبجح بما عنده.
وقد حدثنا التاريخ عن رجال كانوا أذكياء، ولكنهم ابتلوا بشيء من هذا الخلق المكروه، فكان عوجًا في سيرهم، ولطخاً في صحفهم، ولو تحاموه، لكان ذكرهم أعلى، ومقامهم في النفوس أسمى، ومنزلتهم عند الله أرقى. وخلاصة المقال: تذكير النبهاء من نشئنا بأن يُقْبلوا على العلم بهمم كبيرة؛ صيانة للوقت من أن ينفق في غير فائدة، وعزم يَبلى الجديدان (١) وهو صارم صقيل، وحرص لا يشفى غليله إلا أن يغترف من موارد العلوم بأكواب طافحة، وغوص في البحث لا تحول بينه وبين نفائس العلوم وعورة المسلك، ولا طول مسافة الطريق، وألسنة مهذبة لا تقع في لغو أو مهاترة.
ذلك عنوان أكبر الهمة في العلم، وذلك ما يجعل أوطاننا منبت عبقرية فائقة، ومطلع حياة علمية رائعة، وما نبتت العبقرية في وطن نباتاً حسناً، إلا كانت أرضه كرامة، وسماؤه عزة، وجوانبه حصانة ومنعة.