للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في التاريخ، ومحمد (١) الملقب بمجد الدين: نحرير في الحديث والأدب، ونصر الله (٢) الملقب بضياء الدين: بارع في الأدب وتحرير الرسائل، وكثير من علمائنا كانوا يدرسون علومًا مختلفة يبلغون في بعضها الذروة، ويكتفون في بعضها بالمقدرة على تدريسها، أو تحقيق مباحثها عند الحاجة.

فهذا أبو إسحاق الشاطبي تقرأ له كتاب "الموافقات"، فتحس أنك تتلقى الشريعة من إمام أحكم أصولها خبرة، وأشرب مقاصدها دراية، ثم تقرأ " شرحه على الخلاصة" في النحو، فتشعر بأنك بين يدي رجل هو من أغزر النحاة علماً، وأوسعهم نظراً، وأقواهم في الاستدلال حجة.

والقاضي إسماعيل من فقهاء المالكية البالغين درجة الاجتهاد في الفقه، قد سمت منزلته في العربية، حتى تحاكم إليه عَلَمان من أعلامها في مسألة، وهما: المبرّد، وثعلب.

وكبير الهمة في العلم يريد أن يكون النفع بعلمه أشمل، ومما يدرك به هذا الغرض: احترامه لآراء أهل العلم، ولا نعني باحترامها: أخذها بالقبول والتسليم على أي حال، وإنما نريد: نقدها بتئبت، وعرضها على قانون البحث، ثم الفصل فيها من غير تطاول عليها، ولا انحراف عن سبيل الأدب في تفنيدها.

والفطر السليمة، والنفوس الزاكية، لا تجد من الأقبال على حديث من يستخفه الغرور بما عنده مثلما تجد من الإقبال على حديث من أحسن


(١) صاحب كتاب "النهاية في غريب الحديث"، و"جامع الأصول في أحاديث الرسول".
(٢) صاحب كتاب "المثل السائر".