إذا سيطر المستعمر على الشعور والضمائر، فإن أكبر مساعد له على هذه السيطرة: قبضه على زمام التعليم العام؛ حيث يسير به على منهج يخرج به الناشئ مزلزل العقيدة، غائبًا من سماحة الدين وحكمة التشريع، ومعظم النشء مأخوذون بحاجات أول دواع إلى أن يترددوا على مدارس الحكومة.
فإن أراد الكاتب أن يكون لتلك السلطة الدينية فضل إقامة مؤسسات تغني عن مدارس التبشير ومستشفياتهم التي يتخذونها وسائل للسيطرة على شعور المسلمين وضمائرهم، قلنا: في يد المسلمين أن يقيموا مؤسسات تحاكي تلك المؤسسات، فينقذوا أبناءهم من شر مؤسسات الأجنبي، ولا شيء يضطرهم إلى موبقة فصل الدين عن السياسة، وابتداع رياسة دينية لم ينزل الله بها من سلطان.
بسط صاحب المقال لسانه في "الفقهاء المسلمين" كما يبسطه فيهم من لم يطالع كتبهم، فغلا في وصفهم بالجمود، حتى زعم أنهم "لم يقولوا لنا كيف يجتهد الفقيه"، وتمادى في هذه المزاعم إلى أن قال:"ووجد من الفقهاء المزيفين من جوَّز إمامة المغتصب الذي يتولى ولاية الأمة بغير رغبتها وإرادتها".
يقول الفقهاء: تنعقد الإمامة ببيعة أهل الحل والعقد من العلماء والرؤساء ووجوه الناس، وهذا هو الأصل الذي ينبغي أن تكون عليه الإمامة في كل حال، وأجازوا للإمام متى خشي التنازع في الإمامة من بعده، ورأى في أحد رجاله الكفاية، أن يعهد إليه بها قطعاً للفتنة، ولم يجيزوا لأحد أن يتولى أمرها دون أن يبايعه أهل الحل والعقد، أو يعهد إليه بها الإمام، وإن قام مسلم