تجد يدُ الغاصب للعبث بحقوقهم مدخلاً، ولو أعلنوا فصل الدين عن السياسة، لظلوا بغير دين، ولوجدَ فيهم الغاصب من الفشل أكثر مما وجد، فليس مصيبة المسلمين في تركهم السياسة مربوطة بالدين كما زعم الكاتب، وإنما هي ذهولهم عن تعاليم دين لم يدع وسيلة من وسائل النجاة إلا وصفها، ولا قاعدة من قواعد العدل إلا رفعها.
قال صاحب المقال:"فإن أعظم ما أصاب المسلمين من المصائب: إنما هو فقد الرياسة الدينية بعد أن فقد منهم الاستقلال وحرمانهم من بقائها درعا حامياً وسداً منيعاً من تسرب المستعمرين باسم السياسة إلى السيطرة على شعور وضمائر الأمم الإِسلامية، حتى كاد يختل بناء الدين، ويتنكر المسلمون تعاليمه الحقة".
حقيقة فقد الرياسة الدينية من أعظم ما أصاب المسلمين، وهي الرياسة التي في إحدى يديها هداية، وفي أخراهما قوة، أما الرياسة التي لا يتعدى صاحبها أن يكون واعظًا عاماً، يدعو الناس إلى الصلاة والصيام والحج إن استطاعوا إليه سبيلاً، فلم تفقد بعد، ولم يحرم المسلمون منها، ولا تزال باقية، ولكن في أشخاص متفرقين في البلاد، لا في شخص واحد كما يرغب صاحب المقال، ولم نذكر الزكاة من قبيل ما يدخل في الوعظ؛ مخافة أن يكون الكاتب قد انتزعها من أحضان الدين، وجعلها في قسمة السياسة.
يربط الكاتب الوقائع، ولكن بغير أسبابها، ويصل النتائج، ولكن بغير مقدماتا، النفرض أن المسلمين اتفقوا على ضلالة فصل الدين عن السياسة، وأقاموا رياسة دينية لا جند لها ولا سلاح، أمن العقول أن تكون هذه الرياسة درعًا حاميًا، وسدًا يمنع تسرب المستعمرين إلى السيطرة على شعور الأمم