السياسة كان سبباً في أن صار خطر الأجنبي عليهم عظيماً.
فصل الدين عن السياسة هدم لمعظم حقائق الدين، ولا يقدم عليه المسلمون إلا بعد أن يكونوا غير مسلمين، وليست هذه الجناية بأقل مما يعتدي به الأجنبي على الدين إذا جاس خلال الديار، وقد رأينا الذين فصلوا الدين عن السياسة علنًا كيف صاروا أشد الناس عداوة لهداية القرآن، ورأينا كيف كان بعض المبتلين بالاستعمار الأجنبي أقرب إلى الحرية في الدين ممن أصيبوا بسلطانهم، ونحن على ثقة من أن الفئة التي ترتاح لمثل مقال الكاتب، لو ملكت القوة، لألغت محاكم يُقضى فيها بأصول الإسلام، وقلبت معاهد تُدرس فيها علوم شريعته الغراء إلى معاهد لهو ومجون، بل لم يجدوا في أنفسهم ما يتباطأ بهم عن التصرف في مساجد يذكر فيها اسم الله تصرّفَ من لا يرجو لله وقاراً.
يقول الكاتب: لو فصلوا الدين عن السياسة، ما كان خطر الاستيلاء الأجنبي عليهم عظيماً، يقول هذا كأنه لا يدري أن السياسة الطاغية لا تهاب إلا حديداً أشد بأساً من حديدها، وناراً أشد حراً من نارها، فليس من المعقول أن تردّها عن قصدها سلطة دينية ليس في كنانتها سهم، ولا في كفّها حسام، أما قياسه حال السلطة الدينية الإِسلامية - على فرض صحة إقامتها - بحال السلطة الكاثوليكية في احترام مؤسساتها، وإطلاق يدها في عمل يرفع أهل ملتها، فمغالطة أو غفلة عن الفرق بين سلطة دينية يجد فيها الاستعمار مؤازرة أو موافقة على أي حال، وسلطة دينية قد يكون في بعض أصولها ما لا يلائم طبيعة الاستعمار.
ولو ربط المسلمون سياستهم بالدين من قبل قرنين ربطاً محكماً، لم