للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لنوابهم بالعدل، ويخصون أهل الذمة في نصيحتهم بالذّكر، وأحسن مثل نسوقه على هذا: كتاب عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - إلى عمرو بن العاص، وهو يومئذ الوالي على مصر، ومما جاء في هذا الكتاب: "وإن معك أهل ذمة وعهد، وقد وصّى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بهم". ومنه: "وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: "من ظلم معاهداً، أو كلّفه فوق طاقته، فأنا خصمه يوم القيامة"، احذر يا عمرو أن يكون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لك خصماً، فإنه من خاصمه، خصمه" (١).

ومن الأحاديث الثابتة في هذا الصدد: قوله - صلى الله عليه وسلم -: "من قذف ذمياً، حُدَّ له يوم القيامة بسياط من نار".

فانظروا إلى مكانة العهد في الإِسلام، وزنوها بمعاهدات يأخذ فيها بعض الأقوياء على أنفسهم احترامَ حقوق شعب إسلامي، حتى إذا أمسكوا بناصيته، لم يستحيوا أن يعبثوا بالأرواح، وتجول أيديهم في الأموال، ويعملوا جهدهم على أن يقلبوهم إلى جحود بعد إيمان، ويحنقون بعد هذا كله على من يسميهم: أعداء الإنسانية، وقابضي روح الحرية.

أدرك الفقهاء رعاية شارع الإِسلام لأهل الذمة، وحرصَه على احترام حقوقهم، فاستنبطوا من أصوله أحكاماً جعلوا المسلم وغير المسلم فيها على سواء، وأذكر من هذه الأحكام: أنهم أجازوا للمسلم أن يوصي أو يقف شيئاً من ماله لغير المسلمين من أهل الذمة، وتكون هذه الوصية أو الوقف أمراً نافذاً، ولما قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا يبع الرجل على بيع أخيه، ولا يخطب على خطبة أخيه" (٢)،


(١) روى الخطيب في "تاريخه" عن ابن مسعود: "من آذى ذمياً، فأنا خصمه، ومن كنت خصمه، خصمته يوم القيامة".
(٢) "صحيح الإمام مسلم".