والذي نفسي بيده! لا أعلم مكان واحد فعل ذلك إلا ضربت عنقه" (١).
وأما من رضوا بالإقامة تحت راية الدولة الإِسلامية، فقد قرر لهم الدين من الحقوق ما يكفل لهم حريتهم، ويجعلهم أعضاء حية مرتبطة بسائر أعضاء الأمة المسلمة ارتباطَ ألفة وعطف وتعاون. توجد هذه الروابط في القرآن والحديث، وآثار الصحابة، وأقوال أهل العلم من بعدهم.
يقتضي العهد الذي يعقد لأهل الذمّة: أن يقيموا تحت راياتنا متمتعين بحقوقهم الدينية، آمنين على أنفسهم وأموالهم وأعراضهم، وإليك نص عهد عمر بن الخطاب لأهل إيليا: "أَعطاهم الأمان لأنفسهم، وأموالهم، وكنائسهم، وسائر ملتهم، لا تُسكن كنائسهم، ولا يُنقص منها، ولا من خيرها، ولا من صُلُبهم، ولا يُكرهون على دينهم، ولا يُضار أحد منهم".
إن القرآن كقانون أساسي لدولة الإِسلام، فلم يترك ناحية من نواحي الاجتماع أو السياسة إلا وضع لها أصلاً يهتدى به في تفاصيل أحكامها، وانظر إليه ماذا صنع في ناحية هي من أكبر النواحي الاجتماعية أو السياسية، وهي معاملة الطوائف غير المسلمين إذا اختاروا الإقامة في جوارنا، ولم ينزعوا إلى مناوأتنا، اقرا إن شئت قوله تعالى:{لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}[الممتحنة: ٨]، فالآية تحثّ على رعاية قانون العدل في معاملتهم، وتدل - بعد هذا - على فضيلة البرّ بهم، وإذا عبرت عن هذا المعنى بعدم النهي عنه، فلأنها قصدت الردّ على ما يسبق إلى الذهن من أن مخالفتهم للدين تمنع من برهم، وتسهل الاستهانة بحقوقهم.
وقد جرى أمراء الإِسلام العادلون على سيرة هذه الآية، فكانوا ينصحون