في الفضيلة، أم هي خارجة عن حدودها؟ وربما سبق ظنّه إلى غير صواب، فيخال ما هو من قبيل الفضيلة مكروهاً، فيدعه، أو يعيب غيره به، أو يخال ما هو من قبيل المكروه فضيلة، فيرتكبه، أو يمدح غيره عليه. وهذا الشأن يجري في خلقي العزّة والتواضع.
فعزة النفس تمتاز في الأذهان عن الكبرياء امتياز الصبح من الدجى؛ إذ العزة: ارتفاع النفس عن مواضع المهانة، والكبرياء: استنكاف النفس أن تأتي صالحاً، بتخيل أن ذلك العمل لا يليق بمنزلتها، أو تعظمها عن أن تجامل ذا نفس زاكية بزعم أنه غير كفء لها.
ويقابل العزَّةَ: الضِّعةُ، وهي انحدار النفس في هوة المهانة، ويقابل الكبرياء: التواضع، وهو إذعانها للحق، ونظرها إلى ذي النفس الزاكية، أو المستعدة لأن تكون زاكية، نظرَ احترام، أو عطف وإشفاق.
والفرق بين حقائق هذه الأخلاق سهل المأخذ، ولا يكاد يَخْفَى أمره على عامة الناس، فضلاً عن خواصهم، ولكن أحوالاً تعرض للرجل، فيخفي فيها الوجه الذي يدعو إلى مظهر التواضع، فيعد صاغراً.
وفي الناس مَنْ عَدَّ التواضُعَ ذِلَّةً ... وعَدَّ اعْتزازَ النفس من جَهْله كِبْرا
وقال رجل للحسين بن علي: إن الناس يزعمون أن فيك تيهاً، فقال: ليس بتيه، ولكنه عزّة، وتلا قوله تعالى:{وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ}[المنافقون: ٨].
وقال عبد الرحمن الناصر الخليفة الأموي بالأندلس لابنه المنذر:"إن لهذا السلطان رونقاً يُريقه التبدُّل، وعلوًا يُخفِّضه الانبساط، ولا يصونه إلا التيه والانقباض"، ثم ذكر أناساً يعدون تواضع الرجل صغراً، وتخفّضه خِسَّة،