للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقال له عبد الرحمن: ابق وما رأيت.

فوزْن المعاملات الخاصة، وإلحاقُها بإحدى خصلتي العزة أو التواضع، أو طرحُها إلى الكبرياء أو المهانة، يرجع إلى اجتهاد الشخص نفسه، وهذا لا يمنع غيره الذي عرف من سر المعاملة ما عرف من علانيتها، أن ينقدَها، ويصفَ صاحبها بأنه عزيز النفس، أو متواضع، أو يحكم عليه بأنه متكبر أو متصاغر.

في عزة النفس فوائد تعود على الشخص نفسه، منها: ارتياح ضميره، وسلامته من ألم الهوان الذي يلاقيه من لا يحتفظ بكرامته، ثم ما يلقيه هذا الخلق على صاحبه من مهابة ووقار، وإحراز مكانة احترام في النفوس مما تنشرح له صدور العظماء، وإنما عيب الرجل في أن يجعل هذه المكانة غايته المنشودة، أو يتخذها حِبالَة لاصطياد مآرب لا يتعداه نفعها.

ولهذه الخصلة آثار صالحة في الاجتماع؛ فإن الأمة التي تُشرَّب في نفوسها العزة يشتد فيها الحرص على أن تكون مستقلة بشؤونها، غنية عن أمم من غيرها، وتبالغ في الحذر من أن تقع في يد من يطعن في نحو كرامتها، ولا يستحي الإنسانية أن تراه مهتضماً لحقوقها.

ومن عناية الإِسلام بأدب العزة: أنه بني كثيراً من أحكامه العملية على رعايتها، كما منع القادر على الكسب من بسط كله للاستجداء؛ إذ كان في استجدائه إراقة لماء وجهه بين يدي من تكون يده هي العليا، قال - صلى الله عليه وسلم -: "لأن يأخذ أحدكم حبله، فيحتطب على ظهره، خير من أن يأتي رجلاً أعطاه الله من فضله، فيسأله أعطاه، أو منعه".

وسنَّ الهجرة من بلد لا يرفع فيها الإِسلام لواءه إلى بلد تخفق عليه