رايته، وتقام فيه أحكام شريعته، قال تعالى:{وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً}[النساء: ١٠٠].
وشرَّع الذود عن الأوطان، وحمايتها من أن يكون للخصوم عليها سيطرة؛ إذ لا نصيب لجماعة المسلمين من سيطرة غير المسلم إلا العسف والإرهاق.
ومن الأحكام القائمة على رعاية العزة: أن التبرعات لا تتقرر إلا بقبول المتبرع له، فلو وهب شخص لآخر مالاً، لم تنعقد الهبة إلا أن يقبلها الموهوب له؛ إذ قد يربأ به خُلُق العزّة عن قبولها؛ كراهة احتمال مِنّتها، والمنّة تصدع قناةَ العزة، فلا يحتملها ذوو المروءات إلا في حال ضرورة، ولا سيما مِنة تجيء من غير ذي طبع كريم، أو قدر رفيع.
والعلماء الذين كانوا لا يقبلون عطايا ولاة الأمور، يريدون الاحتفاظ بكامل عزتهم، حتى يكون موقفهم في وعظ أولئك إذا حادوا عن الرشد موقفَ الناصح الأمين.
ومن هذه الأحكام: شرط الكفاءة في النكاح؛ ذلك لأن في تزوج الرفيعة بمن هو دونها امتهاناً لقدرها، وغضًا من كرامة أوليائها، فجعل للمرأة وأوليائها الحق في الممانعة من تزوجها بمن لا يكافئها، وإنما اختلف الفقهاء في تحديد الكفاءة، كما هو مقرر في كتب الأحكام.
وقد عرف الفقهاء: أن الشريعة تراعي في أحكامها حق العزة، فقالوا: إن المسافر يقبل هبة الماء للوضوء، ولا يتيمم؛ إذ لا يمتن بمقدار ما يتوضأ به من الماء عادة، ولم يلزموه قبول هبة ثمن الماء، وأجازوا له التيمم، إذا كان في هبة الثمن مِنَّة، والمنة تورث شيئاً من الذلة. وعلى هذا النحو جرى