الإمام الغزالي؛ إذ جعل خشية الإهانة مُسْقطة لوجوب النهي عن المنكر. وموضع هذا: أن يعرف العالِم أن نهيه لا يجدي نفعًا، ويزيد على عدم جدواه بأن يسومه أولئك المبطلون أو الفاسقون خسفًا، أما إذا كان يرجو مما يقوله أو يكتبه فائدة، فاحتمال الأذى في سبيل العمل الصالح عزة لا تطاولها عزة.
ومدحُ الإنسان نفسَه رعونة، فإذا مسه أحد بازدراء، فإن علم الأخلاق يسمح له بأن يذود عن عزته، ويقول كلمة ينبه بها على مكانته.
وفد أبو الفضل بن شرف إلى المعتصم أحد أمراء الأندلس في زي تظهر عليه البداوة، وأنشده قصيدته التي يقول في طالعها:
فاهتز المعتصم لسماعها طرباً، فحسد أبا الفضل من الحاضرين ابنُ أخت غانم، وقال له: من أي البوادي أنت؟ فقال أبو الفضل: أنا من الشرف في الدرجة العالية، وإن كانت البادية عليّ بادية، ولا أنكر خالي، ولا أعرف بحالي. فانقبض ابن أخت غانم خجلاً.
وأما التواضع، وهو بذل الاحترام، أو العطف والمجاملة لمن يستحقه، فهو خلق يكسب صاحبه رضا أهل الفضل من الناس ومودتهم، وهو الطريق الذي يدخل بالشخص في المجتمع، ويكون به عضواً ملتئماً مع سائر الأعضاء التي يتألف منها جسد نسميه: الأمة، فالتواضع أنجح وسيلة إلى الائتلاف والاتحاد، اللذين هما أساس التعاون على مرافق الحياة وجلائل الأعمال، قال الله تعالى يدعو رسوله الكريم إلى هذا الخلق العظيم: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ (٨٨) وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ} [الحجر: ٨٨ - ٨٩]، وقال تعالى: {وَاصْبِرْ