يتواضع الرجل لأقرانه، فلا يُصاعِر لهم خداً، وإن أبى الدهر إسعافهم، ولا يخرج في معاملتهم عن حدود المساواة، وإن رزق من المال أو الجاه ما لم يرزقوا، قال البحتري:
وإذا ما الشريفُ لَمْ يتواضعْ ... للأَخِلّاءِ فهو عينُ الوَضيعِ
ويتواضع الرجل لمن هو دونه في ظاهر هذه الحياة، أو فيما يجري به عُرف الناس؛ كالأستاذ يجامل طالب العلم، والرئيس يجامل المرؤوس. وفي سنّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأقوال الذين أوتوا الحكمة، وسيرة الذين استقاموا على الفضيلة، ما فيه عظة حسنة، وقدوة صالحة.
أما الأستاذ لا يتعاظم على طالب العلم، فمن مظاهره: الإصغاء إليه عند المناقشة، وإجابته عما سأل في رفق، وتلقي ما يبديه من الفهم لإنصاف، فإنْ أخطأ، نبّهه لوجه الخطأ، وإن قال صواباً، تقبله منه بارتياح، وارتياح الأستاذ لآثار نجابة الطلاب مما يريدهم جدًّا في الطلب، ويشعرهم باستعدادهم لأن يكونوا في النوابغ، وإنما ينبغ الناشئ في العلم متى سطع في نفسه مثل هذا الشعور.
قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "تعلموا العلم، وعلّموه الناس، وتعلّموا له الوقار والسكينة، وتواضعوا لمن تعلمتم منه، ولمن علمتموه".
ومن حكم الإمام علي -كرم الله وجهه-: "وتواضعوا لمن تتعلّمون منه، ولمن تعلّمونه، ولا تكونوا جبابرة العلماء".
وأما الرئيس لا يتعظم على المرؤوس، فمن مظاهره: لين القول في مخاطبته، والعناية بقضاء ما يستطيع من حاجته، والسعي في دفع الأذى عن جانبه. والرئيس المتواضع يتحامى أن تشهد منه أثراً يدل على أن نفسه تحدثه