بأنه أفضل منك، إلا مظاهر يسيغها عرف أصبح مألوفاً بين الناس.
روى الإمام مالك: أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - "كان في فضله وقدمه ينفخ عام الرمادة (١) النار تحت القدور، حتى يخرج الدخان من تحت لحيته"، ذكر هذا مالك لهارون الرشيد، وقال له: إن الناس يرضون منكم ما دون هذا.
ونقرأ في سيرة مظفر الدين صاحب أربل: أنه بني أربعة ملاجع للزمنى والعميان، وقرر لهم ما يحتاجون إليه في كل يوم، وكان يأتيهم بنفسه في عصر كل اثنين وخميس، ويدخل إلى كل واحد في نزله، ويسأله عن حاجته. فإحسان مظفر الدين إلى هؤلاء رحمة، ودخوله على كل واحد في نزله، وسؤاله عن حاله، تواضع.
وصفوة المقال: أن العزة ترجع إلى أن يقدر الإنسان قيمة نفسه، فلا يوردها إلا الموارد التي تليق بها. والكبر يرجع إلى أن يرى نفسه في منزلة فوق منزلتها، فيتراءى في مظاهر يعدها العارفون بكنه حاله اغترارًا وإسرافًا في التقدير.
والضعة ترجع إلى أن يغمط نفسه حقها، ويضعها في مواضع أدنى مما تستحق أن يضعها. والمتواضع من يعرف قدره، ولا يأبى أن يرسل نفسه في وجوه الخير وما يقتضيه حسن المعاشرة.
وإذا كان من يحتفظ بالعزة، ولا يصرف وجهه عن التواضع، هو الرجل الذي يرجى لنفع الأمة، ويستطيع أن يخوض في كل مجتمع، ضافي الكرامة، أنيس الملتقى، شديد الثقة بنفسه، كان حقا على من يتولى تربية الناشئ أن
(١) الرمادة: الهلكة، سمي به عام جدب وقحط وقع في زمن ابن الخطاب؛ لهلاك الناس فيه والأموال.