الباجي:"قرأت أدب النفس لمحمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم -"؛ يعني: شريعته من قرآن وسنّة.
والباجي هو الذي رجع من الشرق إلى الأندلس، فوجد أمراءها في تقاطع، والعدو يتحفز لوضع يده على رقابهم، فقام يتردد على مجالسهم، ويطرق بالنصيحة آذانهم، ويسعى لجمع كلمتهم، فكانوا يجلونه في الظاهر، ويستبردون نزعته في الباطن، وأقل ما يجتنيه الداعي إلى الإصلاح براءة ذمته، وأنه عند الوقوف بين يدي ربّه.
فالنفوس التي تنحط في المداهنة انحطاطَ الماء من صَبَب، نفوس لم تشبّ في مهد الأدب السنيّ، ولم تهدها المدرسة إلى الصراط السويّ، وما شاعت المداهنة في جماعة، إلا تقلصت الكرامة من ديارهم، وكانت الاستكانة شعارهم، ومن ضاعت كرامتهم، وداخلت الاستكانة نفوسهم، جالت أيدي البغاة في حقوقهم، وكان الموت أقرب إليهم من حبال أوردتهم.
فمن واجب أساتذة التربية ودعاة الإصلاح: أن يُعنوا بجهاد هذا الخلق المشؤوم حتى ينفوه من أرضنا، وتكون أوطاننا ومدارسنا منابت نشء يميزون المداهنة من المداراة، فيخاطبون الناس في رقة أدب وشجاعة، ويحترمون من لا يلوث أسماعهم بالملق، ولا يكتمهم الحقائق متى اتسع المقام لأن يحدثهم في صراحة.