للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جالباً التقصير، فذلك معدود في سوء الحظ". فأعجب الأمير بكلامه، وأقصر بعد عن تفنيد هاشم، وسعى في تخليصه من الأسر.

ومن عظماء الرجال من يبغض المداهنة، ولا يقبل من جليس مبالغة في مدح أو مسايرة.

ومن المُثل الكاملة لهؤلاء العظماء: عمر بن عبد العزيز - رضي الله عنه -؛ فإنا نقرأ في سيرته: أنه قال لجرير حين دخل عليه بقصيدة يهنئه فيها بالخلافة: "اتَّقِ الله يا جرير، ولا تقل إلا حقاً".

وقال له رجل مرة: "طاعتكم مفروضة فقال له: "كذبت! لا طاعة لنا عليكم إلا في طاعة الله".

والأجلّاء من علماء الدين الذين كانوا يداخلون رجال السياسة، فينعقد بينهما التئام أو صداقة، كانوا يأخذون بسنّة المداراة، ولم يكونوا - فيما نقرأ من سيرتهم - يتلطخون برِجْسِ المداهنة.

فهذا أبو الوليد الباجي كان يصاحب رجال السياسة، ويختارونه للسفارة بينهم، وهو الذي قال لمن ذكره بمداخلة السلطان: لولا السلطان، لنقلني الذرُّ (١) من الظلِّ إلى الشمس. وتاريخه يشهد بأن قوة إيمانه كانت تحرسه من أن يقع في حمأ المداهنة.

كان مرة في انتظار أحمد بن هود صاحب "سرقسطة" بالأندلس، فجالسه ابنه الملقب بالمؤتمن، وأخذ المؤتمن يجاذب الباجي الحديث في كتب الفلسفة حتى قال له: "هل قرأت أدب النفس لأفلاطون؟ "، فقال له


(١) الذرّ: صغار النمل.