كله، ولكن القاضي منذر بن سعيد وعظه وعظاً بليغاً، وتلا عليه قوله تعالى:{وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ}[الزخرف: ٣٣]، فأطرق الناصر مليًا، ثم أقبل على منذر، وقال له: جازاك الله يا قاضي عنا وعن نفسك خيراً، وعن الدين والمسلمين أجل جزائه، فالذي قلت هو الحق، وقام من مجلسه، ونقض سقف "القبيبة"، وأعاد قرمدها تراباً.
والوجيه الحازم يكره المداهنة، ويملأ عينه باحترام من يوقظه لوجه الخير إذا كان في غفلة منه، ولوجه الشر إذا اشتبه عليه.
قال الطاهر بن الحسين في الكتاب الذي بعث به لابنه عبد الله بن طاهر:"وليكن كرم دخلائك وخاصتك عليك: من إذا رأى عيباً، لم تمنعه هيبتك من إنهاء ذلك إليك في ستر، وإعلامك بما فيه من النقص؛ فإن أولئك أنصح أوليائك ومظاهريك لك".
وقع الوزير هاشم بن عبد العزيز في يد العدو أسيراً، وذكره الأمير محمد ابن عبد الرحمن الأموي في جماعة من رجال دولته مستقصراً له، ناسباً له إلى الطيش والعجلة والاستبداد برأيه، فلم ينطق أحد ممن كان في المجلس بالاعتذار عنهما عدا الوزير الوليد بن عبد الرحمن بن غانم، فإنه اعتذر عن الوزير هاشم، ورد على السلطان في مسلك سائغ، ومما قال في الاعتذار عن هاشم:"قد استعمل جهده، واستفرغ نصحه، وقضى حق الإقدام، ولم يك ملاك النصر بيده، فخذَله من وثق به، ونَكَلَ عنه من كان معه"، ثم قال: "فإنه لا طريق للملام عليه، وليس عليه ما جنته الحرب الغشوم، وأيضًا فإنه ما قصد أن يجود بنفسه إلا رضا للأمير، واجتناباً لسخطه، فإذا كان ما اعتمد فيه الرضا