هو المبطل، وفي مثل هذا ورد قوله - صلى الله عليه وسلم -: "تجد من شرار الناس يوم القيامة عند الله ذا الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه"(١).
وقال حكيم من بني أسد:
ولستُ بذي وَجْهينِ فيمَنْ عرفْتُه ... ولا البخُلُ فاعلم من سمائي ولا أرضي
يتخذ الرجل وجهين متى كان يطمح إلى ما في أيدي الناس من متاع، أو كان يطمع في إرضاء طوائف على تباعد ما بينهم من نزعات، وعلى شدة ما بينهم من اختلاف، والعبور إلى النفع على جسر من المداهنة يحرم صاحبه من أعز متاع هو الصدق، بعد أن يحرمه من أطيب لذة هي ارتياح الضمير. ومن كان حريصاً على أن يكون صديق الطوائف المتباينة، فإن الطيّب منهم يأبى أن يلوث صدره بصداقة من يتملق الخبيث.
المداهنون يجعلون ألسنتهم طوع بغية الوجيه، ويعجّلون إلى قول ما يشتهي أن يقولوا، فيمدحون ما يراه حسناً، ويذمون ما يعده سيئاً، أما الذين يعرفون ما في المداهنة من شر، ويحزنهم أن يظهر الشر على يد من في استطاعته الخير، فيربؤون بألسنتهم أن تساير في غير حق، ويؤثرون نُصْحَ الوجيه على أن يزينوا له ما ليس بزين.
ابتنى الخليفة عبد الرحمن الناصر "القبيبة" بقصر الزهراء، واتخذ لسطحها قراميد من ذهب وفضّة، وجلس فيها إثر إتمامها، وقال لمن حضر مفتخرًا:"هل رأيتم أو سمعتم من فعلَ هذا من قبلي؟ "، فقالوا: إنك لأوحد في شأنك