للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإذا لم يساعده الحال على إنجاز الوعد، لم يفُتْه الصدق فيما يلقيه إليك من عذر.

ومن المداهنة: أن تثني على الرجل في وجهه، فإذا انصرفْتَ عنه، أطلقتَ لسانك في ذمّه.

قيل لابن عمر - رضي الله عنه -: "إنا ندخل على أمرائنا، فنقول القول، فإذا خرجنا، قلنا غيره"، فقال: "كنا نَعُدُّ ذلك نفاقاً على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -".

وقد قرر أهل العلم أن الرجل إن كان مستغنياً عن الدخول على من يضطره الحال إلى الثناء عليه، فدخل، وأثنى بغير ما يعلم، كان نفاقاً؛ أما إن اضطر إلى الدخول على ذي قوة لا يخلص من بأسه إلا أن يُسمعه شيئاً من الإطراء، فهو في سعة من أن يُطريه بمقدار ما يخلص من بأسه، ولا تُلْحِقه هذه الحالة الشاذة بزمرة المداهنين.

انهزم جيش السلطان فرج بن برقوق أمام جيش الطاغية تيمورلنك، ووقع طائفة من العلماء في أسر الطاغية، ومن هذه الطائفة: الفيلسوف ابن خلدون، فكان من هذا الفيلسوف أن تقدم إلى تيمورلنك، وقال له فيما حادثه به: "إني ألفت كتاباً في تاريخ العالم، وحلَّيته بذكرك، وما أسفي إلا على هذا الكتاب الذي أنفقت فيه عمري، وقد تركته بمصر، وإن عمري الماضي ذهب ضياعًا حيث لم يكن في خدمتك، وتحت ظل دولتك، والآن أذهب، فآتي بهذا الكتاب، وأرجع سريعًا حتى أموت في خدمتك"، فأطلق سبيله، فقدم مصر، ولم يعد إليه.

ومن أسوأ ما يفعل المداهن: أن يلاقي رجلين بينهما عداوة، فيظهر لكل واحد الرضا عن معاداته لصاحبه، ويوافقه على دعوى أنه المحق، وصاحبه