التلطف خفيفة، وينبغي أن تكون مداراتك لمن ترجو منه العود إلى الرشد، وتأنس في فطرته شيئاً من الطيب، فوق مداراتك لمن شابَ على عِوَج العقل، ولؤم الخلُق، حتى انقطع أَمَلُك من أن يصير ذا عقل سليم، أو خلق كريم، ولك مع من فيه بقية من العقل ضرْب من المداراة لا تسلكه مع من يعد مداراتك له أثر الخوف من سلاطة لسانه، فيزداد فُحشًا؛ ليزداد الناس رهبة، فيزيدوه خضوعاً.
المداراة خصلة كريمة، يحكمها الأذكياء، ولا يتعدى حدودها الفضلاء.
أما المداهنة، فهي إظهار الرضا بما يصدر من الظالم أو الفاسق من قول باطل، أو عمل مكروه، وأصلها الدِّهان، وهو: الذي يظهر على الشيء، ويستر باطنه.
تضم المداهنة تحت جناحيها: الكذب، وإخلاف الوعد.
أما الكذب، فلأن المداهن يقصد إلى إرضاء صاحبه في الحال، فلا يبالي أن يعده بشيء، وهو عازم على أن لا يصدق في وعده، وليس من الصعب على المداهن - وقد مرَد (١) على الكذب - أن يخلف الوعد، ويختلق لإخلافه عذراً، وهذا الاختلاق لا يرتكبه الراسخ في كرم الأخلاق، وإن كلفه الوفاء بالوعد أمراً جللاً.
فالمداهن لا يتريث في أن يَعِدَ؛ لأنه لا يتألم من أن يخلف، ولا يصعب عليه أن يصور من غير الواقع عذراً، والراسخ في الفضل لا يعد إلا عند العزم على أن يصدق فيما وعد، فإن وقف أمامه عائق، كشف لك عن وجهه الحق،