أن صحبته للآخر قد جرّت عليه شقاء، وإلى عيشه كدراً؟ فهل يقطعان مسافة الحياة في شيء من الراحة والصفاء؟!.
أما التي تعود إلى رشدها، وتقنع بالرزق الذي يسوقه الله تعالى إلى زوجها، فأمثالها في هذا العصر، ولا سيما الناشئات في المدن، غير كثير.
قد يكون هذا المرض الخلقي المتفشي في فتياتنا أحد الأسباب التي صرفت الشبان عن الزواج؛ لأن الشباب يخشى أن يبتلى بزوجة تتعدى بمطالبها وما تشتهيه نفسها حدود المعروف؛ فإما أن ترهقه عسراً، وإما أن تسلّ ثوبها من ثوبه جانحة للفراق، وإما أن تبقى معه على غير مودة خالصة. وإذا لم تخلص المودة بين الصاحبين، فلا تسلْ عن كثرة ما يدور من مناقشات ومنغّصات.
ونحن لا ننازع في أن اتساع رغبات النساء في شؤون الحياة قد تجاوز حد المستطاع، ولكنا لا نسلم أنه نزعة عامة، وطبيعة لا تتحول حتى نتخذ منه للشبان الذين لا يقبلون على الزواج معذرة، بل نرى أن اتساع الرغبات إلى الحد الذي يثبّط عن الزواج إنما هو شائع في طبقات الناشئات في ترف، أو من يتصلن بهن، ولم تسبق لهن تربية نافعة. أما الأسر التي تعيش في حالة اقتصاد، وفيها أثارة من تهذيب، فإن فتاتهم تقنع بما يسره الله لزوجها من رزق، وتغتبط بحسن خلقه ومودته، وبذله الوسع في إنعام بالها، غير ناظرة إلى ما تقصر عنه يده من الأشياء الزائدة على الضروريات والحاجيات. وليست هذه الأسر المهذبات بقليل، فلو وجه للفتيان هممهم إلى لذة الحكمة والعلم، وعرفوا أنهم يجدون مع الفتاة المهذبة من راحة الضمير، والتفرغ لاكتساب المجد ما لا يجدونه مع الفتاة الواسعة الرغبات، لكان لهم في مصاهرة تلك الأسر الفاضلة ما يجعل ضمائرهم في راحة، وعيشهم في هناء.