تقوم العبقرية على الذكاء والجدّ في طلب العلم، ثم على أكبر الهمة، فمن لم يكن ذكيًا، لم يكن حظّه من العلم إلا أن يحفظ ما أنتجته قرائح العلماء من قبله، ومن لم يجدّ في طلب العلم، ولم يُغذّى ذكاءه بثمرات القرائح المبدعة، بقي ذكاؤه مقصوراً في دائرة ضيقة، فلا يقوى على أن يحلق في سماء العلوم ليبلغ الغاية السامية، وماذا تصنع المرأة الكيسة في بيت لا مؤونة فيه ولا متاع؟!.
يقولون: إن ابن سينا لم ينم مدةَ اشتغاله بالعلم ليلة واحدة كاملة، ولا اشتغل في النهار بسوى المطالعة.
وقالوا: لم يترك ابن رشد النظر ولا القراءة منذ عقل إلا ليلة وفاة أبيه، أو ليلة بنائه على أهله.
ومن لم تكن همته في العلم كبيرة، لم يكفه ذكاؤه ولا جدّه في الطلب لأن يكون عبقرياً؛ فقد يكون الرجل ذكياً مُجداً في التحصيل، وصغر همته يحجم به أن يوجه ذكاءه إلى نقد آراء قديمة، أو ابتكار آراء جديدة حميدة:
إذا غامرتَ في شَرَفٍ مَرومِ ... فلا تقْنَعْ بما دون النُّجومِ
والعبقري يلذُّ العلم أكثر مما يلذه الناقلون، وإنا لنرى الرجل يرتاح للعلم ينحدر من سماء فكره أكثر مما يرتاح للعلم الذي ينساق إليه من فكر غيره، ولا يزيد هو على أن يودعه حافظته.
قال تقي الدين السبكي في أبيات أجاب فيها عن سؤال يتعلق بآية من