للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكتاب المجيد:

لأسْرارِ آياتِ الكتابِ مَعانِ ... تدق فلا تبدو لكلٍ معانِ

إذا بارقٌ قد لاحَ منها لخاطِري ... هممتُ قريرَ العَيْنِ بالطيرانِ

ولشدة ارتياح النابغة لاستخراج المعاني من معادنها، وتخليص الآراء الراجحة من بين الآراء الواهية، نجده أحرص الناس على العلم، وأشدهم أنسًا به، وأثبتهم على الانقطاع له.

* مهيئات النبوغ:

للنبوغ مهيئات:

منها: أن ينشأ الذكي في درس أستاذ يطلق له العنان في البحث، ويردّه إلى الصواب برفق، ويثني عليه إن ناقش فأصاب المرمى.

نقرأ في ترجمة العلامة إبراهيم بن فتوح الأندلسي: أنه كان يفسح لصاحب البحث مجالاً رحبًا، بل يطلب من التلاميذ أن يناقشوه فيما يقرر، ويحثّهم على ذلك، ويختار طريق التعليم به، وشأن العالم العبقري أن يقبل على التلميذ المتقد ذكاء، ويأخذ بيده في طريق التحصيل حتى يعرف كيف يكون عبقرياً.

ومن مهيئات النبوغ: أن يشبّ الألمعي بين قوم يقدرون النوابغ قدرهم، فإن نظر القوم إلى النابغة بعين التجلة، وإقبالهم عليه باحتفاء، مما يزيد الناشئين الأذكياء قوة على الجد في الطلب، والسعي إلى أقصى درجات الكمال.

ولا عجب أن يظهر النابغون في العلم والأدب ببلاد الأندلس؛ فقد كان أهلها كما قال صاحب "نفح الطيب": "يعظمون من عَظّمه علمه، ويرفعون من رفعه أدبه، وكذلك سيرتهم في رجال الحرب: يقدّمون من قدمته شجاعته، وعظمت في الحروب مكايده".