وظهر في عالم الإِسلام خلفاء وملوك ووزراء، كانوا يقدرون النوابغ، ويحتفون بهم لنبوغهم؛ مثل: المأمون العباسي، وعبد الله بن طاهر، وسيف الدولة، والصاحب بن عباد في الشرق، وعبد الرحمن الناصر، والمنصور بن أبي عامر، والمعتمد بن عباد في الأندلس.
وأسوق مثلاً لهذا التقدير: أن القاسم بن سلام عرض على عبد الله بن طاهر تأليفه في غريب الحديث، فقال عبد الله: إن عقلاً بعث صاحبه على عمل هذا الكتاب، حقيق بأن لا يحوج إلى طلب المعاش، وأجرى عليه عشرة آلاف درهم في الشهر.
وقد يهيئ الناشئَ للنبوغ أن يسبقه أب أو جد بالنبوغ؛ فإن كثرة تردد اسم سلفه العبقري على سمعه، ومطالعته لبعض آثار عبقريته يثيران همته، ويرهفان عزمه لأن يظفر بما ظفر به سلفه من منزلة شامخة، وذكر مجيد.
وإذا رأينا كثيراً من أبناء فطاحل العلماء، لم يتجاوزوا مرتبة العلماء الناقلين، فلنقصٍ في ذكائهم الفطري، أو لعلل نفسية صرفتهم إلى نواح غير ناحية العبقرية.
ومن مهيئات النبوغ: نشأة الذكي في حاضرة زاخرة بالعلوم والآداب؛ إذ في الحواضر يلاقي الناشئ جهابذة العلماء، وأعلام الأدباء، وفي الحواضر يشتد التنافس في العلوم والفنون، ويتسع مجال المحاورات والمناظرات.
ومن مهيئات النبوغ: قراءة مؤلفات النابغين في العلم بعد الاطلاع على دراسة الكتب التي تسوق المسائل مجردة من أدلتها، غير معنية بالغوص على أسرارها، وإنما يرجى منه النبوغ متى وضعت تحت نظره كتب يرى مؤلفيها كيف يستمدون آراءهم من الأصول العالية، ولا يوردون مسألة إلا بعد