ومن مهيئات النبوغ: مطالعة تراجم النابغين المحررة بأقلام تشرح نواحي نبوغهم، وتصف آثاره؛ نحو: مؤلفاتهم المنقطعة النظير، ثم ما يخصه بهم عظماء الرجال من تقدير وتمجيد.
ومن مهيئات النبوغ: الرحلة، والتقلب في كثير من البلاد، ولا سيما بلادًا تختلف بعاداتها وأساليب تربيتها ومناهج حياتها العلمية والسياسية، ولعل نبوغ ابن خلدون في شؤون الاجتماع ذلك النبوغ الرائع؛ إنما جاءه من نشأته في تونس، ثم سياحته في بلاد الجزائر والمغرب الأقصى والأندلس ومصر سياحةَ اعتبار، سياحة اتصل فيها برؤساء حكوماتها، وأكابر علمائها، بل سياحة كان يقبض فيها -أحياناً- على طرف من سياسة تلك البلاد.
* تقدير النبوغ:
يعرف الناس أن زيداً عالم أو أديب، أما بلوغه مرتبة النبوغ في علم أو فن من فنون الأدب، فإنما يعرفه من درسوا ذلك العلم أو الفن دراسة تمكنهم من الحكم بأن ما يثمره فكر هذا العالم أو الأديب جديد بديع.
فمن لم يدرس علم الطب - مثلاً - لا يستطيع أن يصف أحداً بالنبوغ فيه إلا أن يقلد في وصفه بعض كبار الأطباء، ومن لم يدرس علوم اللغة ليس من شأنه أن يشهد لأحد بالنبوغ في هذه العلوم إلا أن يتلقى تلك الشهادة من أفواه أساتذة اللغة وآدابها.
وأعدُّ مِنْ تعقُّلِ ابن حزم: أنه كتب رسالة بيَّن فيها كيف أبدع أهل الأندلس فيما ألّفوه في العلوم والفنون، ولما وصل إلى علم الحساب والهندسة، قال: "وأما العدد (الحساب) والهندسة، فلم يقسم لنا في هذا العلم نفاذ،