ولا تحققنا به، فلسنا نثق بأنفسنا في تمييز المحسن من المقصر في المؤلفين فيه من أهل بلدنا".
وإذا انتشر العلم والأدب في بلد أو قطر، كان أهله أعرف بأقدار النبغاء، وربما عاش العبقري في بلد، ويكون ذكره في بلد آخر أذيعَ، وشأنه فيه أعلى.
نشأ العلامة أبو عبد الله التلمساني في تلمسان، وعاش بها، ويقول الكاتبون في التعريف به: "وكان علماء الأندلس أعرف الناس بقدره، وأكثرهم تعظيماً له".
وأشار إلى هذا المعنى بعض من نشأ أو أقام بين قوم لم يقدروا فضل براعته، فقال:
وما أنا إلا المِسْكُ في غَيْرِ أَرْضِكُمْ ... يَضوعُ وأمَّا عندَكم فيَضيعُ
* أثر النبوغ في العلم:
عرفنا أن العلماء الناقلين مزيتهم في حفظ أقوال من تقدمهم، وليس من شأنهم أن يتقدموا بالعلوم ولو خطوة، وإنما الذي يبتكر العلوم، أو تكون له يد في تلاحق مسائلها قليلاً أو كثيراً، هو العبقري.
ولا يستغني علم من العلوم عن عبقري يضيف إليه مسائل، أو يحل منه مشاكل، أو يجيد تطبيق أصوله العالية على فروعها.
فعبقرية الأئمة المجتهدين أورثتنا هذه الثروة العظيمة من أصول الشريعة وأحكامها العائدة إلى حفظ الدين والأنفس والأعراض والأموال، وعبقرية علماء الكلام دخلت في تفاصيل الإلهيات والنبوات، فخلصت الحقائق من الأوهام، وحفظت أصول الدين من أن تزلزلها عواصف الشبهات. وعبقرية