أشرنا إلى أن النبوغ يقوم على أكبر الهمة في العلم، ونقول الآن: إن النبوغ ينحو بصاحبه نحو عزّة النفس، ويرفع همته عن أن تسلك طريق الملق والخضوع لإدراك نحو منصب أو مال؛ فإن شعور العبقري برفعة منزلته العلمية، يريه أن كل ما عدا هذه المنزلة أهونُ من أن تطمح إليه النفوس، أو تحرص عليه، وقد نال ابن حزم الوزارة، ولما رأى العلم فوق كل مرتبة، انصرفت نفسه عنها، وطلّقها بتاتاً من تلقاء نفسه، وانقطع للبحث والتحرير.
* كيف نصعد بأبنائنا في مراقي النبوغ؟
تختلف نفوس الناشئين في الميل إلى العلوم، كل نفس تميل إلى ما يوافق طبعها، فنرى نفسًا تختار علماً، ونفساً تختار علماً غيره، ولندع الفلسفة تبحث عن سر موافقة هذا العلم لطبع هذه النفس، ونكتفي بأن نعلم أن هذه النفس تميل إلى هذا العلم. لنتوجه بها إلى التخصص به، فتطلبه برغبة زائدة عن رغبتها فيه من حيث إنه علم، وقد أدرك هذا علماؤنا من قبل، فنقرأ في التعريف بحياة العلامة أبي عبد الله التلمساني: أنه كان يترك كل طالب يتخصص بالعلم الذي تميل إليه نفسه.
ومناهج التعليم اليوم تقتضي تخصص كل طائفة بقسم من العلوم، ولا يكفي توجه الطالب إلى التخصص بقسم من العلوم لأن يكون نابغًا فيه، وما فتح أبواب التخصص إلا أحد المهيئات للنبوغ، وقد تفوت الطالب القريحة الوقادة، والألميعة المهذبة، أو تفوته الهمة التي تطمح به إلى بلوغ الذروة في العلم، فعلى القائمين على شؤون التعليم العام أن لا يكتفوا بأن تخرج أقسام التخصص في كل عام فرقًا يؤدون الامتحان، ويحرزون شهادات تخوِّلهم ولاية