والعمق، فهو يفكر طويلاً، ويستقصي في بحثه، ويستوعب، ويدير الفكرة في ذهنه أياماً، ويأخذ لها زادها من إحساسه ومعارفه، ومطالعاته واستنتاجاته، ثم إذا جلس ليكتب، كتب في هدوء وأناة، يزن لفظه قبل أن يخطه، ويتدبر عبارته قبل أن يصوغها، فإذا ما جئت بعد ذلك لتقرأ ما كتب، أعجبك أن ترى عقلاً واسعاً نيّراً، وتفكيراً عميقاً سليماً، ونظرة بعيدة صحيحة، وأسلوباً رزيناً محكماً.
ولعل بعض القراء الذين لا ينسون التاريخ، يذكرون للشيخ الخضر حسين أنه نصب نفسه في أحيان كثيرة مدافعًا عن الدين الإسلامي، مجاهداً أولئك الذين حاولوا في خبث ودهاء أن يقوضوا دعائم الشريعة المحمدية، والله يتم نوره ولو كره الكافرون، فلم يتخذ طريقة السب والشتم والمناداة بالويل والثبور، والإسراف في الغضب والثورة وسيلة إلى أداء واجبه نحو ربّه ونبيه.
بل تناول قلمه الرزين العفيف المحكم الذي خط به كتابه "القياس في اللغة العربية"، ذلك الكتاب الذي يعد آية بينة على الدراسة اللغوية الصحيحة الأصول، المسددة الخطا، الطيبة الثمرات، فكتب بهذا القلم ردوده ودفاعه عن الإسلام، وأظهر تلك الردود في كتب كثيرة شرقت وغربت، وكان من جميل عمله، ونبيل خلقه: أنه في مجادلته أو نقده يورد عبارة المنقود بنصها، ثم يكر عليها بالهدم والتفنيد، دون أن يستعمل كلمة نابية، أو تصدر عنه عبارة جافية.
بل يذكر القرّاء أن الأستاذ الكبير الشيخ محمود شلتوت وكيل كلية الشريعة الإسلامية كتب في بعض أعداد مجلة "الرسالة" مقالاً عنوانه: "الهجرة وشخصيات الرسول" ذهب فيه مذاهب هاجت عليه المسلمين في مصر وبعض