للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولا يحتاج الأمر فيه إلى تقرير حجة، أو إزالة شبهة؛ كفريضة الصلاة، وفضيلة العدل، والعمل لتخليص الوطن من سيطرة الأجنبي؛ فأمثال هذه الحقوق إنما يهملها مستطيع القيام بها لآفة سهو، أو داعية هوى. فيحق لكل مسلم - وإن كان من أهل الطبقة السفلى- أن يذكّر فيها غيره، ويوصيه بها، وإن كان من أهل الطبقة العليا. وأما ما لا تدركه العامة من الحقائق، ويضطر الداعي إلى أن يورد في بيانه الأدلة، ويطارد الشبه، فأمر الدعوة إليه من حق العلماء القادرين على تحرير بحثه، وحسن التصرف في سَوق أدلَّته.

يأخذ بعض أهل العلم في وصف الداعي أن يكون صالحًا في نفسه، مستقيمًا في سيرته. وهو شرط صحيح بالنظر إلى انتفاع الناس بإرشاده، وتسابقهم إلى إجابته؛ فإنهم- على ما نرى ونسمع- لا تلين قلوبهم لموعظة واعظ، ولا يقتدون برأي مرشد إلا إذا وثقوا بأمانته، وأبصروا في حالته الظاهرة مثالاً لما ينصحهم به. وقد تبرأ شعيبٌ - عليه السلام - من مخالفة قومه إلى ما حذَّرهم منه، فقال: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ} [هود: ٨٨].

وجاء في كثير من الآيات المسوقة في فضل الدعوة ذكر صلاح الداعي في نفسه، واستقامته في عمله، قال تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا} [فصلت: ٣٣]، وقال تعالى: {هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [النحل: ٧٦]،. وجاء في التنزيل مافيه تقريع وتعجب من حال الذي يلقي الموعظة، ويبسط لسانه بالأمر بالمعروف، وهو يترك العمل به ناحية قال تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [البقرة: ٤٤]، وفي هذه الآية شاهد على أن من