يذهب بعض الناس في الإنكار على من يراه مبطلاً مذهب الفظاظة في القول، فيرميه باللعن والشتائم، وفن الشتم والهجاء مما يبذر الشقاق الذي نهينا عنه، وربما حمل المبطلَ على التعصب لرأيه أو هواه، وقبض عليه باليمين والشمال.
والناس يعرفون أن طريقة السباب في المجادلة إنما يسلكها العاجز عن إقامة الحجج الدامغة، فترى المقال الذي يحرر في سعة صدر وأدب مع المخالف يجد من القبول وشدة الأثر في نفوس القراء ما لا يجده المقال الذي يخالطه السفه والحماقة. وكذلك ترى المستيقن أنه على حق، مطمئنَّ المخاطر، آمنًا على مذهبه من صولة الباطل، فينطق عن أناة وتخيّر للأقوال الصائبة. أما من لم يكن على بصيرة من رأيه أو عقيدته، فإنه ينزعج عند المجادلة، ويطيش به الجدل حتى يقذف بالسباب، ويلفظ بالكلام من قبل أن يقيم له وزناً.
وقد يكون حديثك مع طائفة باعوا نفوسهم بمتاع هذه الحياة، واندفعوا لإغواء الأمة، والكيدِ لشريعتها وحياتها السياسية، بجميع ما ملكوا من صفاقة وعناد وسوء طوية. ولعل الناس يعذرونك حين تتصدَّى لكف بأس هؤلاء، ويجري على لسانك أو قلمك في خلال جدالهم كلمة تتهكم بعقولهم، أو تزدري آراءهم، أو تنبه على مكر انطوت عليه دعايتهم.
فإنك إن تهكمت بعقول هؤلاء، أو ازدريت آراءهم، فإنما تضعها في مواضعها، وتمس خيلاءهم بما يخفف من غلوائها، وإن رفعت الغطاء عن مكايدهم، فينما تجادل قوماً يجعلون مكان الصريح رمزًا، ومكان الطعن غمزاً، ويلبسون أقوالهم المعبرة عن آرائهم تردداً أو ريباً.