للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أن يقبض يده عن قضاء واجبها؛ مطاوعة لداعية الشح، وإيثاراً للذة العاجلة على السعادة الباقية. وإذا كانت السجايا ميسرة للأعمال، ومساعدة على صدورها بسهولة، دخل في وظيفة المصلح الدعوةُ إلى نبذ الأخلاق السافلة، والتحلي بالأخلاق الفاضلة.

وإصلاح الأخلاق بالمقالات العامة نافع، وأقرب الوسائل في تربيتها أن يركبها المصلح في طبيعة كل شخص بعينه، فكثير من الناس يتعلم الأخلاق الحميدة، ولا يشعر بأنه عارٍ من حليتها، وقد يدرك حقيقة الخلق الحسن وحقيقة ضده نظرياً، وتتشابه عليه صورهما في الواقع، فلا يكاد يفرق بينهما:

وفي الناسِ من عدَّ التواضعَ ذلةً ... وعدّ اعتزازَ النفسِ من جهلهِ كبرا

ومن هنا كانت تربية الأبوين الصالحين أرسخ أثراً من الأدب الذي يتلقاه الناشئ من الدرس أو الكتاب.

وكان المصطفى - صلوات الله عليه - يرشد إلى مكارم الأخلاق بالحكمة العامة، ويتولى تربية الأفراد على وجه خاص، فكثيراً ما نرى في الأحاديث الواردة في الحثّ على الخلق الجميل ما يصرف الخطاب به إلى شخص بعينه؛ كقوله - عليه السلام - لمعاذ بن جبل: "أحسن خلقك للناس"، وقوله لجارية بن قدامة: "لا تغضب".

ثم إن العمل لا يكون حسناً في نفسه إلا أن يسير به صاحبه في سنّة الله، ويقتدي فيه على آثار حكمته البالغة، فكان من شرط المصلح: درسُ كتاب الله، وسيرة رسوله الأعظم؛ ليكون على بصيرة من الأعمال التي يدعو الناس إليها. وقد ترامى على مقام الدعوة نفر لا يدرون ما الحكمة، ولا يفرقون بين السيرة القيمة والسيرة الضالة، فلطخوا النفوس بأرجاس تكاد تشبه هذه الأرجاس التي