وحيث كانت الأمة تفتقر في بقائها وطيب حياتها وحماية ذمارها إلى وسائل شتى؛ كالصناع والعلوم النظرية- من نحو الطبيعيات والرياضيات -، أصبحت هذه الوسائل من قبيل ما تجب الدعوة إليه، كما صرح بذلك أبو إسحاق الشاطيي وغيره من الراسخين في العلم، فإن عظم مصلحتها، والخطر الذي ينشأ عن إهمالها دليلٌ واضح على أنها داخلة فيما تأمرنا حكمة الله بالمسابقة إليه، ولكن الإسلام لم يفتح العيون في كل موضع من مواضع إصلاحها، وما أعطى لتفاصيلها قواعد؛ كما فعل في قسم العبادات، والمعاملات، والجنايات، وإنما أرشد إليها في كثير من أوامره؛ كقوله تعالى:{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ}[الأنفال: ٦٥]. ثم فوَّض استنباطها واختيار ما هو الأصلح منها إلى الفطر السليمة، والعقول الراجحة، كما قال المصطفى - صلوات الله عليه - في واقعة تأبير النخل:"أنتم أعلم بأمور دنياكم"؛ فإن تمييز النافع والضار في مثل هذا لا يكاد يفوت مداركهم، أو يضيق عنه طوق عقولهم.
وقد يسبق غير العارفين بأدب الشرع إلى بعض نظم مدنية، أو فنون حيوية، فلا حرج على إخوان الإسلام أن يحاكوا غير المسلمين، ويعملوا على مثالهم فيما يحسن في نظرهم من هذه النظم أو الفنون؛ فإن إحجامنا عن أخذ ما بأيدي المخالفين من المعارف والنظم المفيدة في هذه الحياة، يفضي بنا- كما قال أبو حامد الغزالي- إلى أن نحرم من كل صالح سبقونا إليه.
فمن واجب دعاة الإصلاح أن يجيدوا البحث عن أحوال الأمم الأخرى؛