بعث الله محمداً - صلوات الله عليه -، والعالم في جهالة غامرة، وأهواء جائرة، وأعمال خاسرة، وما زالت هدايته تتكامل حتى أخذت بالإصلاح من جميع أطرافه، فوضعت مكان الجهالة علماً، ومكان الأهواء همماً سامية، ومكان الخسر صلاحاً وفلاحاً.
أصلح النفوس بالعقائد السليمة، وزودها بالأخلاق الزاهرة، وشرع من العبادات ما يؤكد الصلة بين العبد وربه، ثم نظر إلى أن الإنسان لم يخلق ليعيش في عزلة عن الناس، وإنما خلق ليكون واحداً من جماعة تتعاون على القيام بمرافق حياتها، والأخذ بوسائل سعادتها، فعني بحقوق ذوي القربى، فقرر النفقات والمواريث في نظم محكمة، وحرّض على إسعادهم، والبرِّ بهم من طرق المروءة وكرم الأخلاق.
وحاط الزوجية بحقوق تجعل الزوجين في ألفة صادقة، وعيشة راضية، وأخذ بإصلاح رابطة أخرى هي رابطة الجوار، واتجه بعد إصلاح هذه الصلات الصغيرة إلى إصلاح رابطة الإيمان، ثم رابطة الإنسانية، ووضع للمعاملات المالية نظماً عادلة، وللجنايات عقوبات زاجرة، فأصبحت النفوس والعقول والأعراض والأموال والأنساب بتلك النظم والعقوبات في صيانة.
وتناول الإسلام إصلاح الغذاء، فاذن في الطيبات من الرزق، وحرّم أشياء؛ لقذارتها، أو لأنها تلحق بالأبدان ضرراً، أو بالعقول خللاً، فترونه قد حرّم كل الميتة، وتناول السموم والمسكرات والمخدرات.
ووضع الزينة بمكانتها اللائقة، فاذن فيها، وأنكر على من يتعمد اجتنابها بدعوى أن اجتنابها من الورع والتقوى، ولكنه نهى عن الإسراف فيها، وأنذر الناس سوء عاقبة المسرفين.