وشمل الإسلام بنظرته الإصلاحية ناحية السياسة الخارجية، واتجه فيها بين رفق وحزم، فاذن في الحرب متى كان الشر في السلم، وأذن في السلم متى كان الشر في الحرب، وقرر للحرب آداباً تخفف من ويلاتها، وتجعلها كالدواء لا يتجاوز به المقدار الذي يحصل به الشفاء، وأذن في عقد المعاهدات على وفق المصلحة العامة، وحثَّ على الوفاء بالعهد.
وأرشد الدين إلى التسامح في معاملة المخالفين غير المحاربين، تسامحاً يرضي الإنسانية دون أن يبخس حقاً، أو ينصر باطلاً. قال تعالى:{لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}[الممتحنة: ٨].
ووجد الإسلام في الناس مزاعم شأنها أن تكدر صفو الفكر، أو تعوق عن كثير من الأعمال الفاضلة، فأماطها عن الطريق السوي؛ كالتشاؤم ببعض الأمور، والإخلاد إلى البطالة بدعوى التوكل أو الزهد، وزعم الاطلاع على الغيب.
ونظر إلى أشياء هي وسائل إلى رقي الفكر البشري، أو وسائل إلى ازدهار العلوم على اختلاف موضوعاتها، فأدخلها في دائرة إصلاحه؛ كتحرير العقول من أسر التقليد، ودعوتها إلى الاعتماد على الحجة والدليل. {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}[البقرة: ١١١]. وكرفعه من شأن العلم، وحثه على طلبه، والسعي إلى تلقينه بقدر الطاقة {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ}[الزمر: ٩]. ولو قلت: إن النهضة العلمية الزاخرة التي ظهرت ببغداد وقرطبة هي من أثر الإصلاح الديني، لم أكن مخطئاً.
أصلح الدين الشؤون الفردية والاجتماعية بما أشرنا إليه من النظم