علماؤه الراسخون، والطالب الذي يقبل على العلم بداعية قوية من نفسه، هو الذي يسير فيه إلى أقصى غاية، ولا يرضى إلا أن يتجه به إلى الناحية الحيوية التي وُضع ودوِّن لإصلاحها.
وليس من شك في أن المعلم الذي يدرّس علماً برغبة من نفسه، هو الذي يصلح لأن يناط به العمل الذي يتصل بذلك العلم، وهو الذي يرجى لأن ينهض به في غير سآمة، ويعده عزمه على أن يقوم به أفضل قيام.
وأما أثر الأخلاق في رقي الاجتماع، فإن كل خلق يسد ثغرة في بناء المجتمع لا يسدها غيره، فالحاجة إلى إقامة المشروعات الكبيرة ثغرة لا يسدها إلا خلق السخاء، والحاجة إلى دفاع البغاة ثغرة لا يسدها إلا الشجاعة، ورباطة الجأش، والحاجة إلى حرية الدعوة إلى الحق لا يسدها إلى إقدام الدعاة، وحلم أولياء الأمور وأناتهم، ولطالما لهجت الألسنة والأقلام بتمجيد الأخلاق، ونوهت بما لها من فضل في الصعود بالأفراد والأمم إلى أوج السؤدد والكرامة، والذي يحتاج إلى ألمعية مهذبة، وبصيرة نافذة، إنما هو استبانة الطريق التي تسلك لتربية نشأتنا على الأخلاق الماجدة تربية تجعلهم يقدرونها حق قدرها، ويتنافسون فيها كما يتنافسون في العلوم والفنون. ولا يسعني في هذا المقام إلا أن أقول:
إن المعاهد والمدارس التي يدرَّس فيها علم الأخلاق، ويكون رؤساؤها وأساتذتها أنفسهم مثلاً كاملة للأخلاق الراقية، هي الكفيلة بأن تخرج لنا نشئاً نباهي بسمو أخلاقهم، قبل أن نباهي بغزارة علومهم، ورجاجة عقولهم، وطلاقة ألسنتهم.
قال عمرو بن عتبة لمعلم أولاده: ليكن أول إصلاحك لولدي إصلاحك