وأما الاعتصام بحبل الائتلاف والاتحاد، فإن في الناس من تقصر يده عن الوصول إلى حقوقه الشخصية، ومآربه الحيوية، إلا أن يعينه عليها قوم آخرون، كما أن من مقتضيات الحياة الاجتماعية ما يتعذر القيام به إلا أن تتمالأ عليه الجماعات الكثيرة، والتعاون الفردي أو الاجتماعي إنما يصدر عن ائتلاف وتعاطف يجعل الأمة كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً، فإن تفرقت القلوب، ضاعت المصالح الفردية، واختل أمر المصالح الوطنية، وصارت البيوت بحال القبور، وإن كانت مفتحة الأبواب، وسكانها بحال الجثث الهامدة، ولكنهم لا يستغنون عن الطعام والشراب.
وأما الثروة، فتدخل في أصول الإصلاح؛ من ناحيةِ أن كثيراً من المصالح الحيوية لا تقام إلا أن يبذل في سبيلها مال غزير، ثم إن كثيراً من الأخطار الداهمة لا يكفي في دفعها إلا قوة يسعدها الأغنياء بأموالهم قبل أن يسعدها الحكماء بآرائهم، وإذا استطاع الفرد أن يعيش في قلة من المال، وهو حافظ لكرامته، فإن الأمة لا تعيش حافظة لكرامتها إلا أن تكون في خزائنها أو بيت مالها ما يسد حاجاتها، ويكفل لها السلامة من كل قوة تحاول أن تسلبها حقاً من حقوقها.
وشعر الناس في القديم بمزية المال، ومساعدته لذي الهمم الكبيرة على أن يدركوا من الحمد ما لا يدركه المقلّون منهم، كما قال أحد أدبائهم:
أريد بسطة مالٍ أستعين بها ... على أداءِ حقوق للعلا قِبَلي
وكذلك الأمم لا تدرك سيادتها كاملة إلا أن تضيف إلى ما لديها من بسطة العلم وسماحة الأخلاق بسطة في الأرزاق، وقد جعل الله تعالى