أما التفقه في الدين، فتتكفل به السنون التي يقضيها الطالب بالمعاهد الدينية العليا متى قضاها مجدّاً في التلقي والبحث، وقد أشار القرآن المجيد إلى أن الوعظ إنما يقوم على التفقه في الدين؛ حيث قال تعالى:{فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ}[التوبة: ١٢٢].
والتفقه في الدين هو الذي يجعل الموعظة نقية من نحو إيراد الأحاديث الموضوعة، والقصص المنبوذة، وتحسين البدع المحظورة أو المكروهة، بزعم أنها سنّة، أو موافقة لروح التشريع.
وفي الحق أن الوعظ عمل جليل، وله في نظر الشارع مقام رفيع، وانما يحط من شأنه أن يتصدى له من لا يميز الأحاديث المصنوعة من الأحاديث الثابتة، ولا يفرق بين ما هو سنّة وما هو بدعة، ومن ينسب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قولاً لا يثق من أنه صدر منه، أو يلصق بالدين ما هو بريء منه، فقد ارتكب بهتاناً وإثماً مبينا، وكان مالك - رضي الله عنه - كثيراً ما ينشد البيت:
وخيرُ أمورِ الدين ما كان سُنَّةً ... وشرُّ الأمورِ المحدثاتُ البدائعُ
وأما اليقظة ودقة الملاحظة، ففي أصلها موهبة فطرية، ولكنها تقوى وتنمو على قدر ما يتقلب فيه الفكر من مشاهدات وتجارب ومطالعات تاريخية.
فينبغي - مراعاةً لهذا الواجب - أن ينظر في حال طالب الانتظام في سلك الوعّاظ، ويلاحظ في اختبار مبلغ هذه الموهبة الفطرية، حتى إذا كانت مفقودة أو ضئيلة، ولم يكن فيه استعداد لتنميتها، صرف إلى ناحية أخرى يمكنه أن