هو تاركه، أو إلى ترك شيء هو يفعله لا تتجاوز الآذان إلى القلوب، وتذهب كما يذهب الزبد جفاء، وقد أشار القرآن المجيد إلى أن داعي الناس إلى معروف لا يفعله، معدودٌ في فاقدي العقول، وهو جدير بأبلغ عبارات التوبيخ، قال تعالى:{أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ}[البقرة: ٤٤].
والتقوى هي التي تجعل الواعظ مخلصاً فيما يأمر به، أو ينهى عنه، وللإخلاص أثر كبير في نجاح الموعظة، وانشراح الصدور للانتفاع بها على أي حال.
والتقوى الصادرة عن التفقه في الدين بحق، هي التي تكسو الواعظ وقاراً وحسنَ سمتٍ غير مصطنع، فتمتلئ العيون بمهابته، فإذا ألقى الموعظة، ذهبت تواً إلى القلوب، وأثمرت كلماً طيباً، وعملاً صالحاً.
يجمل بالواعظ أن يراه الناس في وقار وحسن سمت، فذلك مما يدعوهم أن يتلقوا وعظه بحسن القبول، ومما لا يليق بمكانته - على ما يبدو لي - أن يقف أمامهم، ويكثر من حركات يديه ورأسه، أو يحرص على أن يقص عليهم القصص المضحكة، ويطارحهم النكت المسلية، فللضحك والتسلية مسارح ومناظر، إنما شرعت مجالس الوعظ للتخفيف من أثرها الذي هو الافتتان بزخرف هذه الحياة، والغفلة عن سبيل الفلاح في الحياتين: الأولى، والآخرة.