للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولم يفقد - بتوفيق الله تعالى - في كل عصر طائفة من ذوي العقول الراجحة، لا يخشون في الذود عن موارده لومة لائم، فيزيحون من طريق هدايته ما يلقيه أولئك الجاحدون أو المراؤون.

ومن هذه الطوائف الخاطئة من يزعم أن الإسلام لم يبعث الدواعي إلى طلب العلم. والواقع أن الإسلام قد رفع قدر العلم، ونوّه بشان العقل، وسلك بطلاب العلم مسالك النظر والاجتهاد، وعوّدهم على نقد الآراء، وتمييز زائف الأخبار من صحيحها، فلما نقلت العلوم النظرية إلى اللغة العربية، وجدت منهم نفوساً تلذ العلم، وعقولاً تنشط للمناظرة، وألسنة تعرف كيف تقرر الحجة، ففتحوا لها صدورهم، ووضعوها تحت سلطان أنظارهم، ولم يمنعهم إعجابهم بها، وتنافسهم على التضلع من مواردها، أن يطلقوا الأعنة في مناقشتها، وتقويم المعوج من مذاهبها، فسدّوا ثغوراً يأتي من قِبَلها الباطل، وذلّلوا لطلاب العلم الطريق الذي تفيؤوا فيه ظلال الرشد، وتدني فيه الفلسفة المعقولة قطوفها، فقامت للعلوم- على اختلاف موضوعاتها- سوق نافقة، وأصبحت ترى علوم الشريعة وعلوم الفلسفة المعقولة يلتقيان في النفوس المطمئنة بالإيمان، وتسنى للتاريخ أن يحدثك عن كثير من علماء الإسلام، ويصفهم بأنهم جمعوا بين العلوم الشرعية والعلوم الفلسفية؛ كالغزالي، وابن رشد، وأبي عبيدة مسلم بن أحمد الأندلسي، وهو أول من اشتهر في الأندلس بعلم الفلسفة، وكان - مع هذا - صاحب فقه وحديث.

ومن الظن الخاطئ ما تخطه بعض الأقلام من أن هذه العلوم المادية قد تشد أزر الإلحاد، وتجعله يظهر على دين كدين الإسلام؛ فإن النظر الصحيح في هذه العلوم لم يأت بما يؤازر الإلحاد، وليس في نصوص الدين الإسلامي