وأصوله ما يتعارض مع العلم الصحيح حتى يستطيع الإلحاد أن يتخذ منه قوة، وإنما الآراء التي تدفعها الحجة قد تقع في يد من لا يحسن نقدها، ولا يميز رأسها من عقبها، فيعارض بها آية من كتاب الله، أو حديثاً صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ويذهب في الحيرة أو الضلالة إلى مكان بعيد. وقد تكون آفة الرجل من عدم تفقهه في الدين، وتخيله أن معنى الآية أو الحديث يخالف ما أثبته العلم الصحيح.
فبلاء أبناء المسلمين الآن من أحد رجلين: رجل يتعلق بآراء المنتمين إلى الفلسفة، لا يفرق بين جيدها وزائها، حتى إذا لقي في الدين ما لا يوافق تلك الآراء الزائفة، خالطه الريب أو الجحود، ورجل يدرس الفلسفة، ولكنه لم يدرس الدين في طمأنينة، ولم يبحث في حقائقه بنظر فاصل، فيتوهم أن بعض نصوص الدين أو أصوله لا يطابق المعقول.
ماذا يكون مبلغنا من الحكمة إذا لم نزن آراء علماء الغرب بالقسطاس المستقيم، ولم نفرق بين ما ينبني على علم أصيل، وما يقولونه على وجه الفرض، أو يتعلقون فيه بشبه واهية، وعمدنا إلى كل نص يظهر لنا أنه مخالف لرأي من آراء أولئك العلماء، فنذهب في تأويله إلى معنى يطابق ذلك الرأي، حتى إذا انكشف الحق، وظهر للملأ أن ذلك الرأي خيال في خيال، عدنا إلى ذلك التأويل، فمحوناه بايدينا، وكذلك يفعل من يستهويه كل ناعق، ويفتنه كل جديد.
لم يخلص الدين من مبتدعة أو زنادقة افتروا عليه مزاعم باطلة، وذهبوا في تاويله مذاهب فاسدة، وقد قام علماء الشريعة الذين يردون منابعها العالية، فبينوا بطلان تلك المزاعم، وفساد تلك المذاهب، فما كان لأحد أن يأتي إلى