في تهذيب أخلاق الزائغ إلى إصلاح عقيدته بالحجة، فإنه يكفيك في تقويم أخلاق المنحط في أهوائه شيء من الموعظة، وتاثير الموعظة في زجر من يعرف الحق حقاً، والباطل باطلاً، أيسرُ من تأثير الحجة فيمن يبصر الباطل حقاً، أو الحق باطلاً.
وقد يندى جبين المغلوب لأهوائه إذا أنبّته، ويعرف لك فضل النصيحة إذا ذكّرته، أما زائغ العقيدة، فإنه يحمل بين حاجبيه وناصيته ما هو أشد قسوة من الحجارة، ويرى إرشادك له لغواً في القول، فلا يعيرك فؤاداً صاغياً إلا أن تبقى فيه للإنصاف وحرية النظر بقية.
ولا مرية في أن انحراف الزائغين أظهر فساداً، وأشد فتنة من انحراف الشاعرين بقبح ما يفعلون؛ فإن الزائغ يندفع فيما لا يليق إلا أن يرهب قانوناً حازماً؛ ولا يبالي أن يبصر به من لا يملك للقانون نفاذاً، أما الشاعر بقبح ما سيفعل، فشأنه أن يجتهد في التستر عن أعين الناس- حتى في حال أمنه- من أن يناله القانون بأذى، فإذا قست الجاحد بأمثاله في التعلم أو الأمية، وجدت لخروجه عن مكارم الأخلاق مواطن أكثر، ومشاهد أظهر؛ فتكون جنايته في الناس أكبر وأفظع، فلا شبهة في أن إصلاح العقائد أساس لتهذيب الأخلاق، وأن الأخلاق الكريمة لا تستقيم إلا على العقيدة السليمة.
لم يتفشّ زيغ العقيدة فيما سلف تفشيه اليوم؛ لأن وسائل ساعدت على سريان وبائه لم توجد قبل، وأمهات هذه الوسائل ثلاثة أمور:
أحدها: هذه المدارس التي يفتحها الأجانب في أوطاننا باسم العلم، ويغفل بعض المسلمين عن سريرتها، فتأخذهم بمظاهرها، حتى يسلموا أطفالهم - وهم على الفطرة - إلى من يصبغ هذه الفطر بسواد، وينزع منها