إلى المعالي وإن انتبذت وراء الفلك الدّوار مكاناً قصياً، إلى ما يشاكل كل هذا من الخصال التي ترفع بعض الأمم على بعض درجات.
والأمة في حاجة إلى نشء ترتبط قلوبهم بالتعاطف، وتمتلئ صدورهم بالغيرة على حقوق الوطن، والإخلاص في كفاح من يروم اغتصابها، والدين يفجّر ينبوع التعاطف، ويجعل الغيرة على الحقوق حامية، ويبعث في النفوس إخلاصاً يأبى لها أن تتخذ من المنافع الخاصة غرضاً.
والتاريخ يملأ آذاننا بأسماء رجال أحرزوا بعلمهم الزاخر مكانة تكفيهم لأن يعيشوا بين الناس في هناءة وإجلال، ولكن ما يبذره الدين في نفوسهم من غيرة وإخلاص يأبى لها أن يقضوا حياتهم بين جدران المدارس أو المساجد دون أن ينفقوا منها في تعرّف الشؤون العامة، والجهاد في نجاة الأمة قسطاً وافراً، ولو أخذنا نضرب الأمثال على أن التعليم الديني يطبع النفوس على خصال الشرف، ويملؤها همماً لا تقف عند حد، وغيرة لا تلهو عن حق، لملأنا صحفاً كثيرة أو أسفاراً، ولكن المقام للتذكرة، ومن مقامات التذكرة ما يغني فيه الإيجاز عن الإسهاب.
وإذا رأينا في بعض المتلقين لعلوم الدين عوجاً، فتلك سنّة الله في الخليقة أن لا تخلص الطوائف الكثيرة من أفراد يشربون بكأسها، ويظهرون في زيها، ثم هم يشذون عنها، ويسيرون في غير وجهتها؛ لعوارض تجد في نفوسهم من الاستعداد للهو أكثر من الاستعداد للجد، ويكفي شاهداً على استقامة الطريق: أن يبلغ أكثر سالكيه غاية الفلاح، فإن قعد في منتصفه ذو همة خامدة، أو التوى عنه ذو هوى غالب، فالطريق لا يزال طريق رشد وفلاح، والوزر على رقبة من قعد في منتصفه لاهياً، أو التوى عنه قبل أن يدرك من