من معاهد؛ فإن قصره على الأزهر والمعاهد الدينية يجعل تربيته العالية في طائفة من الناس خاصة، والخير في أن تكون روح الدين سارية في نفوس الأمة قاطبة، وبثها في جميع الأفراد مدعاة إلى الائتلاف والاتحاد الذي هو أساس كل نهضة، وكل عمل اجتماعي يقام على غير هذا الأساس، فمنقلب إلى فساد.
ولو كان التعليم الديني آخذاً حقه في جميع مدارسنا، لم ير الناس ما يرونه من التجافي بين أفراد نشؤوا في مدارس دينية، وآخرين نشؤوا في مدارس ليس للدين فيها من نصيب، ولا منشأ لهذا التجافي إلا بُعد النشأتين، وإدخال العلوم الحديثة في المعاهد الدينية يذهب بجانب هذا التجافي، فإذا عنيت وزارة المعارف بدراسة علوم الدين درساً جدياً، اتحد أبناؤنا في أصل التربية، فيكون فضل المعاهد الدينية والمدارس الرسمية على الشرق في إخراجهما نشئاً يتقارب شعورهم، وتتدانى عواطفهم، فيتسابقون إلى أعباء الحياة بكواهل متساوية، ويرمون في وجوه العظائم عن قوس واحدة.
لا يغيب عنا أن في بعض الأمم التي لا تعني وزارات معارفها بدرس علوم الدين شيئاً من كمال أو قوة، ونقول مع هذا: إن الأمم التي يقوم تعليمها على روح دينية قوية تبلغ من العظمة ما لا تبلغه أمة تساويها في غير هذه الروح من وسائل الحياة.
فإذا تقدمت فرنسا - مثلاً - على بعض الشعوب الشرقية، وكانت أبسط منه سلطاناً وأنعم بالاً، فإنما فضلته بالقوة المادية، ثم بجانب من الأخلاق التي ينتظم بها شأن الاجتماع في بلادها، ويجعلها قوية أمام خصومها، ولو جاراها ذلك الشعب الشرقي في وسائل الحياة المادية، واستنار في تقويم