العيش، وتجرع غصص الخوف، ويكفي شاهداً على شدة بلاء الخوف أن ينبه به على سوء عاقبة من يكفر بأنعم الله.
وكذلك نرى الشعراء إذا مدحوا الكبراء، قد يصفونهم بفضيلة البر والإحسان، ويقرنون ذلك بمدحهم بخصلة تأمين الناس من الخوف؛ كما قال المغيرة بن حبناء في مدح المهلب بن أبي صفرة:
وإذا ساد الأمن في البلاد، وقلّ الاعتداء على الأموال، انتظمت الزراعة والتجارة والصناعة، وتقدمت هذه الأصول في نماء، وعادت على الناس بثراء؛ كما قال الأستاذ محمود قبادو في قصيدة تعرض فيها لصيانة النفوس والأموال والأعراض:
والأمن في تلك الأصول جميعها ... هو منشأ الإثراء والعمران
وليس الثراء بالأمر الذي يقصد لذاته، وإنما هو وسيلة لبلوغ ذروة العزة، متى صرف في سبيل الخير وحماية الأوطان من أيد تريد إذلالها.
إذن يمكننا أن نقول: إن الأمن الشامل في داخل البلاد، هو الوسيلة إلى أن تكون الأمة بمأمن من أن يستخف عدو أجنبي بحقوقها، أو يبسط يده إلى استعبادها.
وقد عني الإسلام بالأمن العام، ومن شدة عنايته به: أنه لم يلق واجبه على رجال الدولة وحدهم، بل جعل على الأمة قسطاً كبيراً من العمل لمكافحة الجنايات، فكل أحد يرى شخصاً قد عزم على ارتكاب جريمة، وجب عليه زجره ووعظه بكل قوة، وإذا رآه قد أخذ في فعلها، كان رآه يحاول الاعتداء على نفس أو مال أو عرض، وجب عليه رده عنها بيده حسب المستطاع،