ولما بلغ أبا ذزّ الغفاري مبعثُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أرسل أخاه إلى مكة؛ ليسمع من قول النبي - صلوات الله عليه -، ويأتيه بخبره، فانطلق إلى مكة، وعاد إلى أبي ذر، وقال له:"رأيته يأمر بمكارم الأخلاق".
وكذلك قال المقوقس عندما جاءه كتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالدعوة إلى الإسلام:"إني قد نظرت في أمر هذا النبي، فوجدته لا يأمر بمزهود فيه، ولا ينهى إلا عن مرغوب عنه".
وسلك الكتاب والسنّة في كثير من هذه الأصول والأحكام والآداب طريق الاحتجاج لها، وبيان الداعي لها، وما يترتب عليها من المصالح؛ لتزداد القلوب إيماناً بصحتها، وتطمئن إلى أن دعوة هذا الدين دعوة قائمة على رعاية المصالح؛ كما قال تعالى في الاستدلال على الوحدانية:{لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا}[الأنبياء: ٢٢]، وقال - صلى الله عليه وسلم - في علة النهي عن بيع الثمر قبل بدوِّ صلاحه:"أرأيت إذا منع الله الثمرة، بم يأخذ أحدكم مال أخيه؟ "، وقال لمن سأله عن الاستئذان على أمه:"استأذن عليها، أتحب أن تراها عريانة؟ ".
ثانيها: استقامة الدعاة، وتحليهم بما يدعون إليه من خير. وانظر إلى قول ملك عمان لعمرو بن العاص إذ أبلغه كتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - داعياً إلى الإسلام:"إنه والله! لقد دلني على هذا النبي الأمي: أنه لا يأمر بخير إلا كان أول من أخذ به، ولا ينهى عن شر إلا كان أول تارك له، وأنه يَغلب فلا يبطر، ويُغلب فلا يضجر، وأنه يفي بالعهد، وينجز الموعود".
ومن نظر في تاريخ الخلفاء الراشدين، وجدهم يقتدون برسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مثل: الزهد في الدنيا، والعدل في القضاء، والجد في العبادة، فكانوا