وفد على الخليفة الأول ذو الكلاع من ملوك اليمن، ولما شاهد ما كان عليه الخليفة أبو بكر من الزهد والتواضع، أخذ يتزيا بزيه حتى رئي ذو الكلاع وهو حامل لجلد شاة، فأنكر عليه بعض قومه أن يفعل هذا بين المهاجرين والأنصار. فقال:"أفأردتم أن كون ملكاً جباراً في الإسلام؟ لا والله! لا تكون طاعة الرب إلا بالتواضع والزهد".
وانظر إلى ما كانوا يوصون به عمالهم من إنصاف أهل الذمة، وعدم إيذائهم، ومن هذا ما رواه الطبري في "تاريخه": أن عمر كتب إلى أمير البصرة أن يبعث إليه جماعة من ذوي الرأي والبصيرة، فأرسل إليه وفدأ فيهم الأحنف ابن قيس، فسألهم عن أهل الذمة، وقال: أيشكون ظلماً؟ فقالوا: لا. ولم يكتف بهذا حتى سأل الأحنف، وكان يطمئن له ويثق بخبره، فأجاب بمثل جوابهم، ثم صرفهم.
ومن نظر إلى تاريخ أمراء الجيوش الفاتحة للفرس والعراق والشام ومصر وأفريقية، رآهم على سير قيمة، وآداب سنية، يكبرهم من أجلها المخالفون، وأقل ما يكون لها من الأثر: أن تستدعيهم إلى النظر في الدين الذي هو يدعو إليه هؤلاء العظماء.
أرسل المقوقس رسلاً إلى عمرو بن العاص، فحبسهم عمرو عنده يومين وليلتين؟ ليروا حال المسلمين، فلما عادوا إلى المقوقس، وصفوا له المسلمين فقالوا: "رأينا قوماًالموتُ أحب إليهم من الحياة، والتواضع أحب إلى أحدهم من الرفعة، ليس لأحدهم في الدنيا رغبة ولا نهمة، إنما جلوسهم على التراب، وكلهم على ركبهم، وأميرهم كواحد منهم، ما يُعرف رفيعهم من وضيعهم،